الاثنين، 25 يوليو 2011

بثينة واخواتها

معذرة لأني اقتبست اسم البطلة في الرواية الجميلة لد.علاء الأسواني "عمارة يعقوبيان " فانا وبنات جيلي نشبهها ، فكلنا ينطبق علينا .مسمى "أبناء العجز والقهر والكبت وقلة الحيلة"

نحن الجيل المظلوم ( مواليد أواخر السبعينيات وحتى نهايات الثمانينيات) ولعل خير دليل على هذا المسمى ما حدث لخالد سعيد ،وهو ربما أكثرنا حظاً ليس لأنه اشتهر وأنشئت جروبات الفيس بوك باسمه ولكن لأنه ارتاح وقابل ربه وهو مظلوم والله سبحانه أرحم من كل البشر ،أما نحن فمازلنا نقهر ونسحق كل يوم ،وليس القهر والتعذيب نوعاً واحدا وهو التعذيب البدني ولكن هناك قهراً نفسياً تأثيره على النفس ليس بأقل من القهر الجسماني ،فالحياة في بلدنا الغالي أصبحت ميسرة فقط لمن لهم ظهر وواسطة قوية ولا ينظر وقتها إلى كفاءاتهم ولا علمهم ولا أخلاقهم ،أما نحن ممن ليس لهم ظهر فنسحق ولا تراعى كرامتنا ، وكيف تراعى كرامتنا ونحن مكسورين ومحبطين إن لم يكن بسبب البطالة فبسبب عدم الإحساس بالأمان وقلة الدخول حتى المحظوظ منا ولديه وظيفة فهو إما مطحون وكأنه يدور في ساقية لا يجد في اليوم دقيقة يأخذ أنفاسه قليلاً وإما مهمش ولا يشعر بأهميته وقيمته كإنسان ويتعرض للاضطهاد من قبل الأكبر منه ( رغم أنهم يحصلون على حقهم بالكامل دون أي انتقاص منه وذلك لأنهم معينين في الحكومة منذ عشرين سنة أو أكثر )دون سبب مقنع سوى الغيرة والحقد والأمراض النفسية وحب الاسئثار بالسلطة والتفرد بها

ما الذي يتوقع منا بعد كل هذا ؟ أظن أنه من المستحيل أن تجد إنساناً متصالحاً مع نفسه بينما يتعرض لكل ألوان التعذيب النفسي والقهر كل يوم ، الغريب أنك تجد البعض من أهالينا يؤيدون فكرة السلبية والاستسلام للأمر الواقع وركوب الموجة وعدم السباحة ضد التيار ! وحجتهم في هذا أنك مثلك مثل غيرك لماذا انت بالذات تعتقد أن بإمكانك إصلاح الكون ، التفت إلى خيبتك الأول وعندما ينصلح شأنك سيكون هناك أمل ؟ ودائماً ينظرون إلى سبب الفشل وعدم تحقيق الذات على أنهما قضايا فردية وليست قضية جيل بأكمله كتب عليه منذ ولادته أن يكون سيء الحظ . فالكبار يرون أنهم نحتوا في الصخر ليحققوا أحلامهم وينسون أن أبنائهم كبروا وتخرجوا من الجامعات ولم يجدوا صخراً من أصله لينحتوا فيه ! ياااه ما كل هذه القسوة أيظن أحد بعد كل ما يوجه إلينا من اتهامات أن نظل أسوياء نفسياً؟ لماذا هل نحن ملائكة مثلاً أم ماذا ؟ وإذا كان يجب علينا أن نكون كذلك فلماذا لا يصبحون قدوة لنا حتى نقلدهم ؟اليسوا هم الكبار اصحاب الخبرة والنضج !!!

عند هذه النقطة يجب علي أن أوضح لماذا انا ومثيلاتي لا نختلف كثيراً عن بثينة السيد ، هناك فقط نقطتي اختلاف بيننا وبينها هي حاصلة على دبلوم تجارة ونحن لدينا شهادات عليا من جامعات محترمة وربما من أقراني من حصلن على ماجستير وربما دكتوراه أيضاً ، النقطة الثانية هي يتيمة وليس لها أب وتكفل عائلتها لأنها أكبر أخواتها ، أنا وبنات كثيرات مثلي ومن نفس الجيل لدينا آباء تخلوا عن دورهم تجاهنا دون مبرر منطقي وتركونا نصارع الحياة وحدنا ، لا يتذكر أحدهم دوره إلا عند وقوع ابنته في الخطأ أو تعرضها لمصيبة ما وقتها يكون وجوده بجانبها ليس له معنى وأشبه بدور الشرطة في الأفلام العربية التي تأتي عادة بعد إتمام الجريمة ولفظ المقتول لأنفاسه الأخيرة ، من حسن حظي انا وصديقاتي أننا لم نقع في أخطاء أخلاقية بالمعنى رغم كل ما نتعرض له من مغريات ، ولكن رغم ذلك لا أحد يرحمنا من سلاطة لسانه و اتهامنا بأننا السبب فيما نحن فيه من عنوسة وتعرض دائم لنظرة المجتمع السلبية إلينا ؟ وكأننا لسنا بشر طبيعيين ولنا احتياجات مشروعة ونحتاج في أحيان كثيرة لمن يربت علينا ،ويحتوينا ، حتى لا نشوه نفسياً .. ولكن من بيده تغيير قدره ؟

بثينة لم تجد في النهاية إلا زكي باشا ينقذها من كل الأيادي التي تمتد نحوها لتنتهك إنسانيتها وتسلبها شرفها الذي لا تملك غيره ،تزوجته لأنه الإنسان الوحيد الذي احترمها ، ونحن أيضاً في أحيان كثيرة لا نجد بديلاً عن هذا الحل ، فعندما يسقط المثل الأعلى ويتخلى الأب عن دوره الطبيعي الذي خلق من أجله ليس لسبب إلا لأنانيته وجشعه وحبه للتفرد والاستئثار بكل شيء ، وعندماتجد الواحدة منا نفسها تعيش بين ذئاب يحاول كل منهم أن ينهش قطعة من لحمها ويهتك عرضها ـ أحيانا تحت غطاء وعد وهمي بالزواج يحاول من خلاله الحصول على مايتيسر له دون وازع اخلاقي ولاديني يردعه ـ وعندما يحاصرنا القهر والهوان والذل من كل الاتجاهات ولا تستطيع الواحدة منا الفكاك منه .. ماذا نفعل وقتها ؟!، الله وحده يعلم أننا لا نقدم على ذلك طلباً للمال دون اي اعتبارات أخرى ، ولكننا ضعاف نحتاج لمن يحمينا ، إن من نقابلهم في حياتنا من الشباب لا يبحثون إلا من هي كفء لهم يفضلون الفتيات الثريات الواحد منهم يبحث عمن لديها الوظيفة ذات الراتب الكبير والسيارة ويا حبذا لو لديها سكن ( يبقى خير وبركة) وفي سبيل ذلك يغض بصره عن عيوب كثيرة ، أما بالنسبة لي لمثيلاتي فلا ننجومن التعليقات السخيفة هذه الفتاة سمينة والأخرى قصيرة وهذه دمها ثقيل وتصطنع الحياء والخجل و هذه تبدو أكبر مني سناً واشعر أنها والدتي، وغيرها وغيرها من الصفات التي يلصقونها بنا ليهربوا من إحساسهم بالفشل وعدم التكافؤ الفكري والثقافي والشعور بالنقص

أقصد هنا بالتأكيد من لديهم الإمكانيات المتاحة للزواج وليس من هم غلابة مثلنا وعلى باب الله

ماذا أفعل عندما أقابل دائماً بالرفض من هم في مثل سني بسبب الحجج السالفة ، وفي المقابل أجد قبولاً ممن يكبرني في العمر بعشرين عاماًوأكثر ,اجد فيه الصفات التي لم أجدها في من هم في الأربعين بل والخمسين أني فقط لا أريد أكثر من أن أعامل كإنسانة ، أريد من يلملم أشلائي قبل أن يطأها بقدميه كل من هب ودب من حزب أنصار القبح والكذب والنفاق ، لقد تعبت قلوبنا وتشوهت نفوسنا ورغم .كل ذلك مازلنا قادرين على مواصلة الحياة متمسكين بمبادئنا وبإيماننا رغم كل شيء

الإسماعيلية 3/11/2010

"الآن اشعر أنه تم علاجي نفسياً في مستشفى ميدان التحرير ، حيث وجدت هناك أني لم أكن وحدي التي عانيت من الاغتراب والإحباط ، وجدت أن الألم والقهر قد وحد بيني وبين زملائي الثوار ، وأننا قد استعدنا أنفسنا وفخرنا بهويتنا ، وأننا جميعا لدينا حلم كبير مشترك يجمعنا ونسعى لتحقيقه وأنننا حتما سنصل إليه في يوم ما ..